إن جوهر تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة سليمة هي الأخذ بيد الابن أو الابنة وتحضيرهم لتلك اللحظة التي ينالون فيها استقلاليتهم ويصبحون قادرين على الاعتماد بشكل كامل على أنفسهم، وهذا يتطلب تعليمهم مهارات حياتية عديدة، بعضها كالقراءة والكتابة والحساب يتحصلون عليه بالمدارس، وبعضها كالقيادة والرياضة يتعلمونها بمراكز متخصصة لها، ولكن هنالك مهارات لا يمكن صقلها إلا بالمنزل، وهنا يأتي دور الوالدين الواعيين الجاهزين لتوعية أبناءهم وتعليمهم ما لا يمكن تعلمه بأي مكان غير المنزل.


إن دور الآباء والأمهات في التربية دور لا يستهان به، فالتربية لا تقتصر على رفد الطعام والشراب، وتعليم الكلام والحساب، وضمان الرعاية الصحية فقط، بل إن التربية مهمة ملئى بالمتغيرات، فكل مرحلة تتطلب التفكير بعقلية جديدة، وكل ابن أو ابنة يفرض طريقة تعامل مختلفة عن أشقائه، وكل مشكلة تحتاج حلًا قد يصلح الآن ولا يصلح مرة أخرى لاحقًا. ومما لا شك فيه أن دخول الأبناء مرحلة المراهقة أو اقترابهم منها هي واحدة من الأمور التي لا بد للآباء من التحضير لها، فهي مرحلة مصيرية في عمر أبنائهم.


سن المراهقة

المراهقون يسعون جاهدين لتحقيق التفرد والاستقلالية، لكنهم بنفس الوقت يتوقعون من الأقران والآباء تقبلهم. فهم يتصرفون وكأنهم يعرفون كل شيء مع أنهم يفتقرون إلى الكثير من الخبرة، كما أنهم يشعرون بأنهم قادرون على فعل كل شيء يحتاجونه مع أنهم بالحقيقة غير جاهزين للاعتماد على نفسهم فقط. قد ينجح بعض المراهقين في هذا الاختبار، ولكن بعضهم قد يكون مدمرًا لذاته مالم يتلق الدعم والتوجيه المطلوبين.[١]


إن الدور الأكبر في هذه المرحلة يكون على الآباء، فهم بوعيهم وخبرتهم الحياتية بشكل عام، والتربوية بشكل خاص، قادرون على مساندة طفلهم المقبل على سن البلوغ، والأخذ بيده طوال هذه الفترة لتخطيها مع الحفاظ على السلامة العقلية والأخلاقية له. فما المطلوب من المربين فعله لنفسهم ليكونوا جاهزين لهذه المرحلة؟ وما المطلوب منهم فعله لطفلهم لتجهيزه لخوض هذا الاختبار؟


دور الآباء تجاه نفسهم

بمجرد وصول الأبناء إلى سن المراهقة، تقل فرصة الآباء بتعليمهم قيمًا جديدة وأخلاقًا يرجون منهم الالتزام بها، ويصبح الابن قابلًا لطرح أي موضوع للنقاش، ظنًا منه أنه يعلم بما فيه الكفاية ولا يأخذ الأمور كمسلمات، لذا اغتنم الفرصة قبل دخول طفلك سن المراهقة وعلمه جوهر الأخلاق والقيم التي ترجو منه تبنيها لبقية حياته، قبل أن يصبح طفلك "مراهقا متمردا" يرفض تقبل الأفكار الجديدة لمجرد الرفض.[٢]


تعلم آلية عمل مواقع التواصل الاجتماعي

ومن الضروري أيضا أن يجهز الآباء أنفسهم بخبرة كافية حول أسس استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تعتبر "حقل ألغام" بالنسبة للمراهقين، إذ يوفر الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي سبلًا أمام "مستميلي الأطفال" للتواصل مع ضحاياهم واستدراجهم لأعمال غير شرعية أو غير أخلاقية يمكن تجنبها من خلال الإشراف الذكي والمدروس على نشاط الطفل على الإنترنت. إذ لا يصح منع الطفل من استخدام هذه المنصات، لأنه قد يستخدمها دون علم الأهل وعندها قد تزيد المخاطر، ولن يتمكن الطفل من اللجوء للأهل في حال الوقوع في مشكلة ما. لذا يفضل السماح للطفل باستخدام الانترنت ومنصات التواصل بطريقة مقننة، ويمكن للأهل الاطلاع عليها، مع إبقاء سبل الحوار مفتوحة أمام الطفل للحديث عما يصادفه على الإنترنت دون ألقاء اللوم أو الحكم عليه.[٣]


افسح مجالات للحوار وتبادل الآراء

تبدأ هذه الخطة قبل بلوغ أطفالك سن المراهقة، فمن المعروف أن المراهقين ليسوا أفضل محاورين على الإطلاق، ولكن إن أسست أسرتك على أهمية "الحوار المفتوح" قبل بلوغ سن المراهقة، فمن المرجح أن طفلك سيستمر بالانفتاح لك بعد هذه السن، ولكن عليك كمربٍ أن تجد أفضل طريقة لتسهل على طفلك التواصل معك.


يفضل بعض الأطفال والمراهقين الحديث أثناء قيادتك للسيارة، وبعضهم يفضل الحديث بوجود الأبوين معًا، والبعض يفضل كتابة رسالة. لا تنشغل عنهم طوال الوقت، ولا تؤجل الحديث إن شعرت أن طفلك بحاجة له، واسأله بعض الأسئلة العامة إن شعرت أنه متردد ببدء الحوار، يمكنك بدء الحديث بأسئلة مثل: كيف كانت المدرسة اليوم؟ هل أصدقاؤك بخير؟ (واذكر اسمائهم لتشعره أنك تستمع له دائما) هل المدرسون سعيدون بأدائك؟ هل ترى أنني بحاجة لزيارة المدرسة؟ وفي حال شعرت أن الطفل لا زال مترددا، اصطحبه لتناول المثلجات أو لجولة بالسيارة وانتظر الاشارة منه لبدء الحوار.[٣][٤]


دور الآباء تجاه طفلهم المراهق

حفز طفلك على ممارسة الرياضة والنشاطات اللامنهجية

توفر الرياضة العديد من الفوائد الصحية للطفل، كما تضمن له وقتًا أقل يقضيه على الإنترنت، ولكن ليس هذا فحسب، فالرياضة ستساعد الطفل والمراهق على بناء علاقات خارج المدرسة، مما يضمن له بدائل تحميه من الشعور بالوحدة أو العزلة في حال توتر علاقاته مع أصدقاء الدراسة.[٢]


حدد توقعاتك جيدًا

من الطبيعي جدًا أن يتوقع الآباء من ابنهم أو ابنتهم في سن المراهقة عددًا من الأمور، كدرجات عالية في الدراسة، وحسن السلوك مع الآخرين والالتزام بقواعد الأسرة والمنزل، وهذا كله يشعر المراهق باهتمام والديه به وحرصهم على مصلحته، ولكن إن زادت التوقعات عن حدها المعقول أو قلت عنه، فهذه مشكلة تحتاج للوقوف عندها، فقلة التوقعات أو غيابها تمامًا تشعر المراهق بهذا الاهتمام، وزيادتها تشعره بالضغط وتدفعه للتمرد. حدد توقعاتك بعناية ووسطية، ولا تغضب في حال عدم تلبيتها، بل جد حلولًا مناسبة وقتها، والأهم أن تحافظ على علاقتك الجيدة مع ابنك أو ابنتك.[٥]


اختر معاركك بعناية

إذا أراد ابنك المراهق ارتداء زي غير تقليدي، أو قص شعره بطريقة غير اعتيادية، فكر مليًا قبل أن تعترض، فالمراهقون يميلون إلى مفاجئة أولياء أمورهم بقرارات جديدة حتى يختبروا مدى الصلاحيات المسموحة لهم ومدى استقلاليتهم بقراراتهم، وفّر اعتراضاتك لأمور أكثر أهمية وتأثيرًا، كالتدخين أو التغييرات التي تبقى للأبد كالوشوم، واسأل طفلك عن سبب رغبته بعمل هذه التغييرات قبل الاعتراض، وناقشه بها، واشرح له كيف سيراه الآخرون بعد هذه التغييرات، وهل سيبقى مقتنعا بها حتى بعد سنوات، واسأله كيف يرى أناسا آخرين قاموا بعمل تغييرات مشابهة.[٥]


طمئن طفلك.. فالأمور طبيعية

كما على الآباء الحرص على فهم التغيرات النفسية والجسدية التي سيمر بها أبناؤهم في هذا المرحلة، حتى يكونوا جاهزين للتعامل مع المشكلات التي قد تنتج عن هذه التغيرات دون قلق، ودون إشعار ابنهم أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وليس هنالك من يستطيع التصرف. كما من المهم أن يقوم الوالدان، كل بدوره، بشرح التغيرات الجسدية التي قد يمر بها طفلهم في هذه المرحلة، مثل بداية نمو الشعر في مناطق معينة، وبدء الدورة الشهرية، وتغير الصوت لدى الأولاد وغيرها. ومن الضروري في مرحلة النمو هذه قيام الآباء بإرشاد أطفالهم لطرق التعامل السليم مع التغيرات لكي لا يلجأ الأطفال لأخذ معلومات غير دقيقة أو مغلوطة من الإنترنت أو من الأقران.[٦]


انتبه للرايات الحمر

التغييرات البسيطة والمؤقتة في شخصية الطفل المراهق هي أمر طبيعي، ولكن هنالك أمور طويلة الأجل لا بد من الانتباه لها، بعضها يحتاج حلًا من طرف الأبوين، وبعضها قد يحتاج لطلب مساعدة احترافية من قبل خبراء تقويم السلوك أو الإرشاد النفسي، ومنها:

1- زيادة الوزن أو خسارته بشكل كبير.

2- اضطرابات في النوم.

3- تغيرات جذرية ولحظية في الشخصية.

4- تغيير الأصدقاء بشكل متكرر أو مفاجئ.

5- تدني التحصيل الدراسي أو التغيب المتكرر عن المدرسة.

6- الحديث عن الانتحار بصورة جدية أو على سبيل المزاح.

7- وجود أعقاب سجائر في أماكن تواجد المراهق أو رائحة دخان متكررة على ثيابه، أو علامات لتعاطي المخدرات أو الكحول.

8- التمرد على القانون.


كما أن أي سلوك غير لائق يمتد لمدة تزيد عن 6 أسابيع قد يعتبر أيضا راية حمراء يجب التعامل معها بحسب فهمك لمدى تأثيرها على ابنك أو ابنتك.[٥]

المراجع

  1. Kaja Perina (19/07/2015), "7 Keys to Handling Difficult Teenagers", psychologytoday, Retrieved 14/12/2021. Edited.
  2. ^ أ ب Michelle Mitchell (01/12/2020), "4 things to do NOW to prepare for the teen years", bubhub, Retrieved 14/12/2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Preparing for the teenage years", theschoolrun, Retrieved 14/12/2021. Edited.
  4. Sunny Hayes (04/09/2020), "8 questions to ask kids to get them talking about their day", care, Retrieved 14/12/2021. Edited.
  5. ^ أ ب ت "A Parent's Guide to Surviving the Teen Years", kidshealth, Retrieved 14/12/2021. Edited.
  6. "Puberty: helping pre-teens and teenagers handle the changes", raisingchildren, 27/04/2021, Retrieved 14/12/2021. Edited.